تناقلت وسائل الاعلام منذ ايام، خبراً مفاده ان 49 لبنانياً رفضوا مغادرة احد المطارات الاسبانية، وطلبوا اللجوء فيها. قامت الدنيا ولم تقعد، قبل ان يتبيّن ان الخبر يتعلق بفلسطينيين من لبنان وليسوا بلبنانيين، فتراجعت نسبة القلق وتناقصت عوامل الحذر والخطورة في العالم. ولكن، ماذا لو صح الخبر وكان هؤلاء بالفعل لبنانيون رفضوا العودة الى لبنان في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي يعيشونها يوماً؟ هنا مصدر القلق الحقيقي بالنسبة الى العالم عموماً والقارة العجوز خصوصاً. فالخارج يعمل ليل نهار كي يبقي السقف الذي وضعه في لبنان سالماً، ويضمن بما لا يرقى اليه الشك، الا تتدهور الاوضاع الى حد الفلتان الشامل والفوضى، لان ذلك سيعني فتح ابواب "الجحيم" بالنسبة الى الاوروبيين تحديداً، اي هجرة النازحين السوريين من لبنان وعدد كبير جداً من اللاجئين الفلسطينيين فيه، يضاف اليهم اعداد غفيرة من اللبنانيين الذين لم يعد بمقدورهم تحمّل "حقل التجارب" الذي يقيمون فيه، من دون ادنى مقوّمات الحياة الكريمة، او بوادر قريبة لحصول الانفراج المرجو.
ماذا سيحصل في حال بدأ اللبنانيون فعلاً الهرب من لبنان باتجاه دول العالم؟ في الواقع، يعتبر الكثيرون ان هذا الامر قد يكون بمثابة العلاج الشافي الوحيد والفاعل والسريع للبنان، لانه سيدفع الدول الى التفكير فعلياً بتسريع الحلول وعدم التحجّج باللبنانيين انفسهم ليعالجوا الامر، او انتظار حصول الانتخابات النيابية كي يتحرك الخارج ويبدأ الخطوات الاولى في اتجاه دروب الحل. لطالما هدّد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بفتح المجال امام النازحين السوريين في تركيا لـ"غزو" اوروبا، وقد وقف الاوروبيون عند خاطره، ولبّوا الكثير من مطالبه. اما لبنان، فلا يملك للاسف ترف التهديد بمثل هذا الامر، وهو حتى لن يهدّد بفتح باب الهجرة لمواطنيه، ولكن لن يكون بمقدور احد الوقوف في وجه اللبنانيين اذا ما ارادوا الهجرة هرباً من الحياة المذرية التي يعيشون، واذا ما وصلوا الى حدود بعض الدول، فعندها قد تتحرك هذه الدول، ولن يكون وضعهم طبعاً على غرار العالقين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، لان للبنانيين معارف كثيرة في كل دول العالم من اقرباء واصدقاء وغيرهم.
في مطلق الاحوال، لا يمكن الاعتماد على ما حصل مع المهاجر اللبناني علي عبد الوارث الذي علق على الحدود هناك لتعميم المسألة على الجميع، فهو كان فرداً واحداً لا يثير القلق ولا يدفع الدول الى التفكير الجدّي بمواجهة موجة من النازحين اللبنانيين. اما في حال تطورت الامور الى استقبال الدول لقوافل لبنانية، فلا يمكن التعتيم على الموضوع او تجاهله من قبل الدول المعنيّة، وستكون بالتالي امام معضلة حقيقيّة وفي مواجهة جاليّات لبنانية كبيرة في مختلف البلدان تضغط كي لا يلقى اقرباء او اصدقاء او احبّاء لهم مصيراً مشؤوماً.
من المؤسف ان يصل التفكير باللبنانيين الى هذه الدرجة، ولكن حين تصل الامور الى هذا الحدّ، ووسط لامبالاة واضحة من الداخل والخارج لمعالجة الازمات، يكون مثل هذا التفكير مشروعاً، وخصوصاً انه قد يحمل معه العلاج الشافي للداء الذي اصاب لبنان وقضى عليه في وقت قياسي. والافضل بالنسبة الى اللبنانيين عند اتباع مثل هذا السيناريو انه لن يكون هناك من امكانية لزيادة الامور سوءاً في لبنان، لانه عندها سيبادر الجميع الى العمل كي تتحسن ظروف الحياة في هذا البلد ومنع اي اعداد اضافية من اللبنانيين من مغادرته، وقد تصل الاوضاع الى حد تقديم مساعدات مالية بالدولار وغذائية وحياتية (على غرار ما يحصل مع اللنازحين السوريين) او تسريع وتيرة الحلول الطويلة الامد في وقت قصير...
انها مجرد فكرة، قد نصل اليها او لا، ولكنها جديرة بالتفكير...